مراجعة لأهم الانهيارات الكبرى في تاريخ سوق العملات المشفرة

مع دخول شهر سبتمبر، غالبًا ما يشهد سوق العملات المشفرة فترة من عدم الاستقرار. تُظهر بيانات bitsCrunch التاريخية أن هذا الشهر غالبًا ما يتسم بانخفاض الأسعار وزيادة التقلبات، ويعتبره العديد من المستثمرين فترة تتطلب الحذر. ومع ذلك، فإن التغيرات الموسمية ليست سوى انعكاس صغير للتقلبات الشديدة في هذا السوق — أما ما يثير القلق حقًا فهو تلك الانهيارات السوقية التي حدثت من قبل وقد تتكرر مرة أخرى.

مصدر البيانات: bitsCrunch.com

من خلال تحليل بيانات السوق لأكثر من 14 عامًا، وأنماط الانهيار وسلوكيات التداول، يمكننا أن نلقي نظرة على مسار انهيارات سوق العملات المشفرة من خلال الأرقام.

تطور انهيارات الأصول المشفرة

انهيارات العملات المشفرة ليست أحداثًا عشوائية، بل هي جزء لا يتجزأ من نضوج النظام البيئي للعملات المشفرة. تُظهر بيانات bitsCrunch أنه في السوق المبكر ظهرت "انهيارات مدمرة" بانخفاضات تصل إلى 99%، أما اليوم فقد انتقل السوق تدريجيًا إلى "تصحيحات معتدلة نسبيًا" بانخفاضات تتراوح بين 50%-80%.

الانخفاضات الحادة التي لا تُنسى للبيتكوين

انهيار "يوم القيامة" عام 2011 (انخفاض 99%)

يُعد أول انهيار كبير للبيتكوين في عام 2011 مأساويًا بحق. ففي يونيو 2011، وصل سعر البيتكوين إلى 32 دولارًا — وهو رقم ضخم في ذلك الوقت — ثم انهار بنسبة 99% ليصل إلى دولارين فقط. في ذلك الوقت، تعرضت أكبر منصة تداول بيتكوين في العالم Mt. Gox لثغرة أمنية، مما أدى مباشرة إلى انخفاض سعر البيتكوين إلى سنت واحد (على الرغم من أن هذا السعر كان نتيجة تلاعب بشري إلى حد كبير). ومع ذلك، فإن "الصدمة النفسية" التي سببها ذلك الانهيار كانت حقيقية، واستغرق الأمر سنوات حتى يستعيد البيتكوين ثقة السوق.

انفجار فقاعة 2017-2018 (انخفاض 84%)

يُعد هذا الانهيار الأكثر "رمزية" بين جميع انهيارات العملات المشفرة: في ديسمبر 2017، وصل سعر البيتكوين إلى ذروة 20,000 دولار، لكنه انخفض بحلول ديسمبر 2018 إلى حوالي 3,200 دولار. في ذلك الوقت، أدت فقاعة عروض العملات الأولية (ICO) إلى رفع أسعار جميع الأصول إلى مستويات غير منطقية، لكن "جاذبية السوق" حتمًا ظهرت في النهاية.

أما "قسوة" هذا الانهيار فتكمن في مدته — على عكس نمط السوق المبكر الذي كان يتسم بـ"هبوط حاد وسريع"، كان هذا الانهيار أشبه بـ"حادث قطار بالحركة البطيئة" استمر لأكثر من عام، حتى أن أكثر المستثمرين تمسكًا (HODLers) فقدوا صبرهم.

الخميس الأسود لجائحة كورونا 2020 (انخفاض 50%)

يُعد يومي 12 و13 مارس 2020 من الأيام التي ستظل محفورة في تاريخ العملات المشفرة — ففي هذين اليومين، فقدت جميع الأصول قيمتها بشكل متزامن. انخفض سعر البيتكوين من حوالي 8,000 دولار إلى 4,000 دولار في أقل من 48 ساعة. ما يميز هذا الانهيار هو أنه تزامن مع انهيار الأسواق التقليدية، لكن بعد ذلك شهدت الأصول المشفرة ارتفاعًا هائلًا.

شتاء العملات المشفرة 2021-2022 (انخفاض 77%)

من ذروة البيتكوين البالغة حوالي 69,000 دولار في نوفمبر 2021 إلى أدنى مستوى عند حوالي 15,500 دولار في نوفمبر 2022، لم يكن هذا الانهيار ناتجًا عن هجمات على منصات التداول أو ذعر تنظيمي، بل كان نتيجة قوى الاقتصاد الكلي وسلوكيات المستثمرين المؤسسيين الذين أطلقوا موجة بيع جماعية. في ذلك الوقت، دخل "اللاعبون المؤسسيون" السوق رسميًا، مما غيّر منطق الهبوط في السوق بشكل كامل.

أحلك لحظات Ethereum

حادثة اختراق DAO عام 2016 (انخفاض 45%)

في 18 يونيو 2016، تعرض صندوق الاستثمار اللامركزي الجديد "DAO" لهجوم من قراصنة، وخسر 50 مليون دولار، ما أدى إلى انخفاض سعر Ethereum بأكثر من 45%. لكن الخسارة بالدولار وحدها لا تعكس حجم الحدث: ففي مايو 2016، جمع DAO من خلال التمويل الجماعي ما قيمته 150 مليون دولار من Ethereum، وفي نفس الفترة، وصل سعر Ethereum إلى ذروة حوالي 20 دولارًا.

فقاعة الأصول الرقمية وانفجارها

أصبح Ethereum "الدعامة الأساسية" لعدة موجات سوقية — ففي أوائل 2017، كان سعره أقل من 10 دولارات، وبحلول يناير 2018 ارتفع إلى أكثر من 1,400 دولار. لكن عندما انفجرت فقاعة السوق، كان تأثيرها على Ethereum أكبر حتى من البيتكوين. في نهاية 2021، بدأ سعر Ethereum في الانخفاض تدريجيًا من ذروته، واستمر هذا الاتجاه حتى عام 2024.

أنواع انهيارات السوق

استنادًا إلى التحليل، نقسم انهيارات العملات المشفرة إلى فئات مختلفة: "انهيار من الدرجة المنقرضة" (انخفاض أكثر من 80%)، مثل انهياري 2011 و2017-2018؛ "تصحيح كبير" (انخفاض بين 50%-80%)، مثل انهيار جائحة كورونا وسوق الدببة في أوائل هذا العام؛ و"تقلبات اعتيادية" (انخفاض بين 20%-50%).

تختلف أنماط التعافي حسب نوع الانهيار: الانهيارات القصوى تحتاج إلى 3-4 سنوات للتعافي الكامل، وغالبًا ما يليها ارتفاع مفرط بمقدار 2.5-5 مرات؛ أما التصحيحات الكبيرة فدورة تعافيها بين 18-30 شهرًا.

خلال الانهيارات الكبرى، لا تنخفض السيولة ببساطة، بل تكاد "تختفي تمامًا". يتسع الفارق بين سعر الشراء والبيع بمقدار 5-20 مرة، وينخفض عمق السوق عند ذروة الضغط بنسبة 60%-90%؛ بينما يرتفع حجم التداول في بداية الذعر بنسبة 300%-800%، وفي مرحلة "استسلام المستثمرين" قد يتجاوز 1000%. هذا يخلق حلقة مفرغة: انخفاض الأسعار يؤدي إلى تراجع السيولة، وتراجع السيولة يضخم تقلب الأسعار، وزيادة التقلبات تضغط أكثر على السيولة.

هل يمكننا توقع الانهيار مسبقًا؟

تُظهر بيانات bitsCrunch بوضوح اختلاف سلوكيات المستثمرين أثناء الانهيارات. بالنسبة للمستثمرين الأفراد، تبلغ العلاقة بين انخفاض الأسعار وعمليات البيع الذعرية 87%، وهم يعتمدون بشكل كبير على مشاعر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن نمط "الشراء العالي والبيع المنخفض" لديهم مستقر بشكل ملحوظ.

أما سلوك المستثمرين المؤسسيين فهو مختلف تمامًا: 65% من المؤسسات تتبع استراتيجية "الشراء العكسي" أثناء الانهيار، ولديهم قدرة أقوى على إدارة المخاطر، لكن إذا قرروا البيع، فإنهم يضخمون حجم الانهيار؛ كما أن حساسية المؤسسات للعوامل الاقتصادية الكلية أعلى بكثير من الأفراد.

يمكن اعتبار مشاعر وسائل التواصل الاجتماعي "إشارة إنذار مبكر" للانهيارات الكبرى، حيث تعكس مخاطر السوق قبل 2-3 أسابيع؛ أما حجم البحث عن "انهيار البيتكوين" على Google فهو "مؤشر متأخر"، إذ يبلغ ذروته غالبًا عند حدوث الانهيار فعليًا. بالإضافة إلى ذلك، عندما يكون "مؤشر الخوف والطمع" أقل من 20، تصل دقة التنبؤ بالتقلبات الكبرى في السوق إلى 70%.

أحد أبرز التغيرات في ديناميكيات سوق العملات المشفرة هو تزايد ارتباطه بالأسواق التقليدية خلال الأزمات. تتزامن تقلبات سوق العملات المشفرة مع أسعار الأسهم، بينما تتحرك عكسيًا مع أسعار الذهب. على وجه التحديد، خلال الأزمات، يكون معامل ارتباط البيتكوين مع مؤشر S&P 500 بين 0.65-0.85 (ارتباط إيجابي مرتفع)، ومع الذهب بين -0.30 إلى -0.50 (ارتباط سلبي متوسط)، ومع مؤشر VIX (مؤشر الذعر) يصل إلى 0.70-0.90 (ارتباط إيجابي مرتفع جدًا).

لذا، يمكننا تحديد سلسلة من "مؤشرات الإنذار المبكر": انخفاض النشاط على الشبكة، مؤشر الخوف والطمع، انحراف مؤشر القوة النسبية (RSI) (يمكن أن ينذر قبل 2-4 أسابيع)، واتساع فروق الائتمان وغيرها.

الخلاصة

انهيارات العملات المشفرة ليست أحداثًا عشوائية — بل لها أنماط وأسباب ومسارات تطور. وعلى الرغم من أن هذا السوق لا يزال شديد التقلب، إلا أنه أصبح قابلًا للتحليل والتوقع، بل ويمكن التحكم فيه إلى حد ما.

فهم هذه الأمور ليس للهروب من التقلبات، بل لتعلم التعايش معها. ستحدث الانهيارات مجددًا، لكنها ستصبح أشبه بعاصفة، لا تسونامي.