سوق السندات العالمية يشهد "حالتين متناقضتين": من جهة إقبال شديد على الشراء، ومن جهة أخرى موجة بيع جنونية

　　المصدر: Golden Ten Data

　　يشهد سوق السندات العالمي حالة ملحوظة من الهشاشة والتقلبات. تضطر العديد من الحكومات إلى جمع التمويل بكثافة في ظل بيئة الديون المرتفعة وأسعار الفائدة العالية، وبينما يلاحق المستثمرون المنتجات ذات العوائد المرتفعة على المدى القصير، إلا أنهم يشعرون بالقلق من المخاطر الكلية لسوق السندات على المدى الطويل، مما يؤدي إلى حالة متناقضة من الإقبال الحار على الاكتتاب مع تراجع السوق بشكل عام.

　　يوم الثلاثاء، شهد سوق السندات الأوروبي حجم إصدار يومي قياسي، حيث خطط 28 مُصدِراً لجمع ما لا يقل عن 49.6 مليار يورو (ما يعادل 57.7 مليار دولار)، مع توقعات بتحطيم الرقم القياسي السابق البالغ 47.6 مليار يورو الذي تم تسجيله في وقت سابق من هذا العام.

　　من ناحية أخرى، يواجه سوق السندات العالمي ضغوط بيع جديدة، حيث تؤدي المخاوف من التضخم، وحجم الإصدارات، وقضايا الانضباط المالي إلى تقويض ثقة المستثمرين في ما كان يُعتبر أحد أكثر الأصول أماناً في العالم.

　　حجم إصدار يومي قياسي لسوق السندات الأوروبي

　　في أوروبا، وخاصة في المملكة المتحدة وإيطاليا، تم إطلاق صفقات سندات ضخمة، لتدشين موجة تمويل سبتمبر بعد ركود الصيف. وعلى الرغم من استمرار المخاوف المالية في دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة، إلا أن العوائد المرتفعة جذبت المستثمرين بقوة، مما دفع إلى اكتتابات ضخمة.

　　يوم الثلاثاء، أصدرت المملكة المتحدة سندات حكومية لمدة 10 سنوات بقيمة قياسية بلغت 10 مليارات جنيه إسترليني من خلال إصدار سندات عبر اتحاد بنوك، وجمعت أكثر من 140 مليار جنيه إسترليني من طلبات الاكتتاب، وتم جمع 14 مليار جنيه إسترليني فعلياً في النهاية. وذكر دان شين، رئيس قسم الاكتتاب في الديون الأوروبية لدى Morgan Stanley، أن المشترين الدوليين شكلوا 40% من التخصيص، بما في ذلك عدد كبير من البنوك المركزية الدولية التي شاركت بنشاط لأغراض إدارة الاحتياطيات. وأكد أن الإصدار الجديد منح علاوة تقل عن 1.5 نقطة أساس، مما يدل على قوة الطلب.

　　في الوقت نفسه، اجتذب الإصدار المشترك لسندات إيطالية لمدة 7 سنوات بقيمة 13 مليار يورو وسندات لمدة 30 سنة بقيمة 5 مليارات يورو طلبات اكتتاب تجاوزت 218 مليار يورو. كما واصل المقترضون من الشركات الفرنسية جمع التمويل قبل تصويت الثقة الحكومي الأسبوع المقبل، حيث أصدرت Unibail-Rodamco-Westfield سندات دائمة مختلطة بقيمة 685 مليون يورو.

　　يعكس هذا الارتفاع في العرض الاتجاه التقليدي للانتعاش في سبتمبر، حيث تعود الحكومات والشركات إلى السوق بعد عطلة الصيف، وتسعى إلى إكمال التمويل مقدماً لبقية العام.

　　على الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض عن أدنى مستويات الشهر الماضي، لا تزال البنوك والشركات تدخل السوق بحماس، ويرجع ذلك إلى التدفق المستمر تقريباً لأموال الاستثمار إلى صناديق السندات خلال الصيف. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت فروق عوائد السندات الشركاتية قليلاً عن أدنى مستوياتها التاريخية في الشهر الماضي.

　　خارج أوروبا، جذبت المملكة العربية السعودية طلبات بقيمة حوالي 15 مليار دولار لإصدار مخطط لسندات إسلامية لمدة خمس وعشر سنوات، وذلك لتعويض العجز المالي ودعم خطة التنويع "رؤية 2030". وفي اليابان، بدأت ما لا يقل عن سبع شركات في بيع سندات بالدولار الأمريكي، ومن المتوقع أن يكون هذا الأسبوع الأكثر ازدحاماً في إصدارات الديون العالمية، حيث من المتوقع أن يتجاوز إجمالي إصدارات الشركات اليابانية بالدولار واليورو 100 مليار دولار هذا العام لأول مرة.

　　موجة بيع السندات لا تزال تنتشر، وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل في عدة دول

　　ومع ذلك، لا يزال سوق السندات العالمي يواجه ضغوطاً شاملة. فاستمرار التضخم، والشكوك حول الانضباط المالي، وكثافة إصدارات الديون الحكومية، كلها عوامل تثير مخاوف السوق من فائض العرض، مما يدفع العوائد للارتفاع ويخفض أسعار السندات.

　　ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل في عدة دول إلى مستويات مرتفعة. فقد ارتفع عائد السندات اليابانية لأجل 20 عاماً يوم الأربعاء إلى أعلى مستوى له منذ عام 1999، كما عاد عائد السندات الأسترالية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى له منذ يوليو. ويوم الثلاثاء، ارتفع عائد السندات البريطانية لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوى له منذ عام 1998.

　　ومن الجدير بالذكر أن عوائد سندات الخزانة الأمريكية ارتفعت أيضاً، حيث اقترب عائد السندات القياسية لأجل 30 عاماً من مستوى 5% الذي يحظى بمتابعة واسعة.

　　بشكل عام، تعكس موجة البيع هذه مخاوف المتداولين من الإنفاق الحكومي المرتفع وتأثيره المحتمل على التضخم. كما أن الإصدارات الضخمة لسندات الشركات يوم الثلاثاء، واستمرار الشكوك حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، زادت من الضغط على السوق.

　　قال أندرو تايسهيرست، استراتيجي في Nomura Holdings في سيدني:

“لا يمكن حل مشكلات العجز والديون بسهولة أو بسرعة. وستصبح منحنيات العائد الأكثر انحداراً هي الوضع الطبيعي الجديد.”

　　عادةً ما يكون أداء السندات طويلة الأجل ضعيفاً في سبتمبر. فقد انخفض مؤشر بلومبرغ للعائد العالمي للسندات بنسبة 0.4% يوم الثلاثاء، وهو أكبر انخفاض يومي منذ 6 يونيو. وعلى الرغم من أن الانخفاض محدود، إلا أنه يبرز استمرار حذر السوق تجاه الاحتفاظ بالديون طويلة الأجل.

　　كما أدى بيع السندات طويلة الأجل إلى زيادة الطلب على ما يسمى بـ"صفقات الانحدار"، وهي استراتيجية تحقق أرباحاً عندما يتسع الفارق بين عوائد السندات طويلة وقصيرة الأجل. وقد أظهرت التجارب الأخيرة أن هذه الصفقات يمكن أن تكون مربحة.

　　ومع تزايد الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، غالباً ما يشتري المتداولون السندات الحكومية قصيرة الأجل الأكثر حساسية لتغيرات السياسة النقدية. ويقوم مدير الصناديق في Franklin Templeton، أندرو كانوبي، وآخرون حالياً بوضع رهانات على تفوق أداء سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين على تلك لأجل عشر سنوات.

　　وقال كانوبي: "يتم إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف بصعوبة، ولا تزال الضغوط المالية واضحة، وسوق العمل بشكل عام لا يزال قوياً، بينما تبدأ البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة في هذا السياق. نحن نميل إلى زيادة المراكز بدلاً من تقليصها."