أشار أحدث تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) إلى واقعٍ مقلق ظلّ العاملون في دوائر العملات الرقمية يحذّرون منه منذ فترة. إذ يُعدّ الاحتيال الاستثماري واحدًا من أكبر التهديدات التي تواجه الأصول الرقمية. وقد بلغت الخسائر المرتبطة بالاحتيال مجال في العملات الرقمية خلال عام 2024 نحو 9.3 مليار دولار، بزيادة قدرها 66% مقارنة بالعام السابق. ومن هذا المبلغ، شكّلت خسائر الاحتيال الاستثماري وحدها 5.8 مليار دولار. ويعتمد المحتالون عادةً على بناء ثقة زائفة عبر علاقاتٍ إلكترونية، قبل دفع الضحايا تدريجيًا نحو منصاتٍ احتيالية، لتختفي الأموال بمجرد إيداعها دون إمكانية استرجاعها.
ويُبرز التقرير أن الاحتيال الاستثماري هو الأكثر انتشارًا في سوق العملات الرقمية. فقد سجّل مكتب التحقيقات الفيدرالي أكثر من 41,000 شكوى مرتبطة بهذه الجرائم. وكما هو متوقع، كان كبار السن الفئة الأكثر تضررًا، إذ خسر الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين حوالي 1.6 مليار دولار العام الماضي، وهو ما أدى في كثير من الحالات إلى استنزاف حسابات التقاعد التي اعتقدوا أنها آمنة. وبشكلٍ عام، فقد كبار السن أكثر من 2.8 مليار دولار عبر مختلف أشكال الاحتيال في العملات الرقمية. ولا يقتصر الضرر على الجانب المالي فحسب، بل يتعدّاه إلى البعد النفسي، حيث يصف الضحايا شعورهم بالخيانة والإحراج، وغالبًا ما يلتزمون الصمت، مما يجعل من الصعب تقدير الحجم الحقيقي للمشكلة.
وفي مواجهة هذه التحديات، نفّذ مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتعاون مع جهاز الخدمة السرية عملية مشتركة عُرفت باسم “عملية رفع المستوى”. وقد تمكنت هذه العملية من التدخل المبكر لإنقاذ أكثر من 4000 ضحية محتملة، وأوقفت خسائر تقدر بحوالي 285 مليون دولار قبل وقوعها، فضلًا عن مصادرة أكثر من 225 مليون دولار مرتبطة بعصابات “ذبح الخنازير”. ورغم أن هذه الجهود تمثل ضغطًا متزايدًا على الشبكات الإجرامية، إلا أنها لا تزال محدودة إذا ما قورنت بضخامة المشكلة، خاصة وأن العديد من الضحايا لم يدركوا حتى وقت متأخر أنهم وقعوا في فخ الاحتيال.
وتجدر الإشارة إلى أن آليات هذه الاحتيالات ليست جديدة، فهي تقوم أساسًا على بناء الثقة، والصبر، وتقديم قصصٍ مقنعة عن عوائد مالية مغرية. إلا أن ما تغيّر مؤخرًا هو حجم هذه العمليات، حيث أسهمت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية في جعل التواصل أكثر إقناعًا وصعوبةً في الكشف، وهو ما يسهّل إغفال علامات التحذير. ويؤكد محللون أن الأرقام الرسمية حول التدفقات غير المشروعة من العملات الرقمية، والتي بلغت نحو 41 مليار دولار في عام 2024، قد تكون أقل من الواقع، نظرًا لقدرة المحتالين على التكيف بسرعة أكبر من أجهزة إنفاذ القانون.
ورغم هذه المخاطر، ما زالت العملات الرقمية تحمل وعودًا يصعب على التمويل التقليدي تحقيقها، مثل السرعة في المدفوعات العابرة للحدود، وتكاليف أقل، إضافة إلى قابلية الأموال للبرمجة. وتُعد هذه المزايا حيوية للمجتمعات التي تفتقر إلى الخدمات المصرفية التقليدية. غير أن هذه السمات ذاتها تجعل العملات الرقمية بيئة مثالية للاحتيال. فالتقلبات الكبيرة وعدم اليقين التنظيمي يمثلان تحديات معروفة، لكن تفشي الاحتيال الاستثماري بات يُشكّل خطرًا أكثر إلحاحًا وإضرارًا بالمستثمرين.
