بدأ سوق العملات الرقمية شهر أغسطس بأداء مستقر، إذ تراوحت قيمته السوقية الإجمالية بين 3.6 و3.8 تريليون دولار أميركي، قبل أن تستقر عند 3.72 تريليون دولار أميركي بحلول يوم الأربعاء. ويُعدّ هذا التماسك بالقرب من أعلى المستويات التي تم تسجيلها في ديسمبر ويناير الماضيين بمثابة توقف تكتيكي مؤقت، حيث يعمد المستثمرون إلى جني الأرباح وتجميع السيولة، استعدادًا لاحتمال الدخول في موجة صعود جديدة.
إلّا أن هذا الركود النسبي في الأداء دفع العديد من المتداولين النشطين إلى التوجه نحو العملات الرقمية ذات القيمة السوقية الصغيرة، في محاولة للاستفادة من التقلبات في ظل هدوء السوق العام. وفي هذا الإطار، أعاد بيتكوين اختبار متوسطه المتحرك لـ50 يومًا يوم الثلاثاء، وهو ما يشير إلى بوادر تعب في الزخم الصعودي للسوق. وعلى الرغم من هذا التباطؤ، لا تزال القيمة السوقية الإجمالية للعملات الرقمية أعلى من متوسطها المتحرك لخمسين يومًا، والذي يبلغ 3.57 تريليون دولار أميركي، ما يعكس استمرار مستوى معين من الثقة لدى المستثمرين.
في المقابل، يواصل كبار المستثمرين المؤسسيين تعزيز مراكزهم في الأصول الرقمية الأساسية، وعلى رأسها إيثريوم وبيتكوين. فقد تصدرت شركة SharpLink العناوين هذا الأسبوع، إثر شرائها 83,561 وحدة من إيثيريوم بقيمة 264.5 مليون دولار أميركي، بمتوسط سعر بلغ 3,634 دولارًا. وبذلك، ارتفعت حيازاتها إلى 522,000 وحدة، تُقدّر قيمتها بنحو 1.9 مليار دولار. في المقابل، تحتفظ شركة Bitmine Immersion Tech بمكانتها كأكبر مالك مؤسسي لإيثيريوم، بحيازة تبلغ 833,000 وحدة، تتجاوز قيمتها السوقية 3 مليارات دولار.
هذا التوجه التصاعدي لا يقتصر على الشركتين السابقتين فحسب، بل يعكس توجهًا أوسع في القطاع المؤسسي. إذ تشير البيانات إلى أن 64 شركة تمتلك حاليًا ما مجموعه 2.96 مليون وحدة من إيثريوم، وهو ما يعادل نحو 2.45% من إجمالي المعروض من العملة. أما على صعيد بيتكوين، فتُظهر الأرقام أن الشركات العامة والخاصة مجتمعةً تمتلك ما يقدّر بـ1.35 مليون وحدة، بقيمة سوقية تقترب من 155 مليار دولار، أي ما يُعادل نحو 6% من إجمالي المعروض. واللافت أن شركة Strategy أضافت خلال الأسبوع الماضي وحدها 21,021 بيتكوين إلى محفظتها الاستثمارية، في صفقة بلغت قيمتها 2.46 مليار دولار. هذه الأرقام تعكس تنامي دور المؤسسات في سوق العملات الرقمية، وتؤكد أن العديد منها يراهن على هذه الأصول كاستثمارات طويلة الأمد.
وفي موازاة ذلك، يشهد قطاع العملات المستقرة نموًا متسارعًا يلفت الأنظار. فقد باتت عملة USD الصادرة عن Ethena Labs ثالث أكبر عملة مستقرة عالميًا، بعدما ارتفعت قيمتها السوقية بنسبة 75% منذ منتصف يوليو، لتصل إلى 9.5 مليار دولار أميركي. ويُعزى هذا النمو الملحوظ إلى العوائد السنوية الجذابة التي توفرها العملة، والتي تتراوح بين 10% و19%، ما جعلها خيارًا مفضلًا لدى المستثمرين الباحثين عن دخل ثابت.
ولا يقتصر الازدهار على عملة Ethena فقط، بل يشمل القطاع بأكمله، إذ ارتفعت القيمة السوقية للعملات المستقرة للشهر السابع على التوالي، لتقترب حاليًا من 275 مليار دولار أميركي. ويواكب هذا النمو المتسارع زخمٌ تنظيمي متزايد، يعكس اهتمام الجهات الرقابية بتنظيم هذا المجال. فقد دعت هيئة تداول السلع الآجلة الأميركية (CFTC) إلى تقنين التداول الفوري للعملات الرقمية ضمن بورصات مُسجلة، في خطوة تهدف إلى تحسين الشفافية وتعزيز حماية المستثمرين. وفي السياق ذاته، تواصل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) توضيح الإطار المحاسبي المتعلق بالعملات المستقرة، مما يسهم في إرساء بيئة تنظيمية أكثر وضوحًا واستقرارًا لهذا القطاع الحيوي.
